فصل: السؤال الثاني: في قوله: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن تيمية:

وصفة التكبير المنقول عند أكثر الصحابة قد روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وإن قال الله أكبر ثلاثا جاز ومن الفقهاء من يكبر ثلاثا فقط ومنهم من يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. اهـ.
وقال في موضع آخر:
ذكر الأعياد اجتمع فيه التعظيم والنعمة فجمع بين التكبير والحمد فالله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا وقد روى عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، فيشبهه بذكر الإشراف في تثليثه وضم التهليل إليه وهذا اختيار الشافعي وأما أحمد وأبو حنيفة وغيرهما فاختاروا فيه ما رووه عن طائفة من الصحابة ورواه الدارقطنى من حديث جابر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فيشفعونه مرتين ويقرنون به في إحداهما التهليل وفى الأخرى الحمد تشبيها له بذكر الأذان فإن هذا به أشبه لأنه متعلق بالصلاة ولأنه في الأعياد التي يجتمع فيها اجتماعا عاما كما أن الأذان لاجتماع الناس فشابه الأذان في أنه تكبير اجتماع لا تكبير مكان وانه متعلق بالصلاة لا بالشرف فشرع تكريره كما شرع تكرير تكبير الأذان وهو في كل مرة مشفوع وكل المأثور حسن ومن الناس من يثلثه أول مرة ويشفعه ثانى مرة وطائفة من الناس تعمل بهذا.
وقاعدتنا في هذا الباب أصح القواعد إن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثرا يصح التمسك به لم يكره شئ من ذلك بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف وفى نوعى الأذان الترجيع وتركه ونوعى الاقامة شفعها وإفرادها وكما قلنا في أنواع التشهدات وأنواع الاستفتاحات وأنواع الإستعاذات وأنواع القراءات وأنواع تكبيرات العيد الزوائد وأنواع صلاة الجنازة وسجود السهو والقنوت قبل الركوع وبعده والتحميد باثبات الواو وحذفها وغير ذلك لكن قد يستحب بعض هذه المأثورات ويفضل على بعض اذا قام دليل يوجب التفضيل ولا يكره الآخر. اهـ.

.قال القرطبي:

سُمِّيت مِنًى منى لما يُمْنَى فيها من الدماء، أي يُراق. وقال ابن عباس: إنما سُمِّيت مِنًى لأن جبريل قال لآدم عليه السلام: تمنّ. قال: أتمنّى الجنة؛ فسُمِّيت مِنًى. قال: وإنما سميت جَمْعًا لأنه اجتمع بها حواء وآدم عليهما السلام، والجَمْع أيضًا هو المزدلفة، وهو المشعر الحرام. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}:

.قال البقاعي:

ولما فهم من هذا أنه لابد من الإقامة بها في مدة الثلاثة الأيام نفى ذلك ميسرًا لأنّ الحج يجمع القوي والضعيف والخادم والمخدوم، والضعيف في هذا الدين أمير على القوي فقال مشيرًا إلى أن الإنسان في ذلك الجمع الأعظم له نازعان نازع ينزع إلى الإقامة في تلك الأماكن المرضية والجماعات المغفورة ونازع ينزعه إلى أهله وأوطانه وعشائره وإخوانه: {فمن تعجل} منكم النفر للرجوع إلى أوطانه {في يومين} منها {فلا إثم عليه} والعجلة فعل الشيء قبل وقته الأليق به، وقيد باليومين إعلامًا بأن من أدركه غروب اليوم الثاني بمنى وهو مقيم لزمه مبيت الليلة الثالثة ورمى اليوم الثالث، فإن نفر قبل غروبه سقط عنه المبيت والرمي، قال في شرح المهذب: بلا خلاف، وكذا إن أدركه الغروب وهو راحل قبل أن ينفصل منها، ولم يقيد التأخر لأن نهايته باليوم الثالث معروفة من أن الأيام ثلاثة.
ولما كان ذلك ربما أفهم أن المتأخر يلحقه إثم كما كان أهل الجاهلية يقولون وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم قومًا يسابقون إلى المعالي وكان سبحانه وتعالى يريد الرفق بأهل هذا الدين ستر التصريح بالترغيب في التأخر فعبر عنه أيضًا بنفي الإثم كالأول بعد أن أشار إلى الترغيب فيه بالتعبير عن النفر الأول بالتعجل فقال: {ومن تأخر} أي فأقام في منى إلى تمام الثلاثة فرمى اليوم الثالث {فلا إثم عليه} والتأخر إبعاد الفعل من الآن الكائن. قال الشيخ محيي الدين في شرح المهذب: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه والأصحاب: يجوز النفر في اليوم الثاني من التشريق ويجوز في الثالث، وهذا مجمع عليه لقوله تعالى: {فمن تعجل} الآية، قالوا: والتأخر إلى اليوم الثالث أفضل للأحاديث الصحيحة والذكر، ولما فهم من هذا أنه لابد من الإقامة بها في مدة الثلاثة الأيام نفى ذلك ميسرًا لأنّ الحج يجمع القوي والضعيف والخادم والمخدوم، والضعيف في هذا الدين أمير على القوي فقال مشيرًا إلى أن الإنسان في ذلك الجمع الأعظم له نازعان نازع ينزع إلى الإقامة في تلك الأماكن المرضية والجماعات المغفورة ونازع ينزعه إلى أهله وأوطانه وعشائره وإخوانه: {فمن تعجل} منكم النفر للرجوع إلى أوطانه {في يومين} منها {فلا إثم عليه} والعجلة فعل الشيء قبل وقته الأليق به، وقيد باليومين إعلامًا بأن من أدركه غروب اليوم الثاني بمنى وهو مقيم لزمه مبيت الليلة الثالثة ورمى اليوم الثالث، فإن نفر قبل غروبه سقط عنه المبيت والرمي، قال في شرح المهذب: بلا خلاف، وكذا إن أدركه الغروب وهو راحل قبل أن ينفصل منها، ولم يقيد التأخر لأن نهايته باليوم الثالث معروفة من أن الأيام ثلاثة.
ولما كان ذلك ربما أفهم أن المتأخر يلحقه إثم كما كان أهل الجاهلية يقولون وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم قومًا يسابقون إلى المعالي وكان سبحانه وتعالى يريد الرفق بأهل هذا الدين ستر التصريح بالترغيب في التأخر فعبر عنه أيضًا بنفي الإثم كالأول بعد أن أشار إلى الترغيب فيه بالتعبير عن النفر الأول بالتعجل فقال: {ومن تأخر} أي فأقام في منى إلى تمام الثلاثة فرمى اليوم الثالث {فلا إثم عليه} والتأخر إبعاد الفعل من الآن الكائن. قال الشيخ محيي الدين في شرح المهذب: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه والأصحاب: يجوز النفر في اليوم الثاني من التشريق ويجوز في الثالث، وهذا مجمع عليه لقوله تعالى: {فمن تعجل} الآية، قالوا: والتأخر إلى اليوم الثالث أفضل للأحاديث الصحيحة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} تفريع لفظي للإذن بالرخصة في ترك حضور بعض أيام منى لمن أعجله الرجوع إلى وطنه، وجيء بالفاء لتعقيب ذكر الرخصة بعد ذكر العزيمة رحمة منه تعالى بعباده.
وفِعْلاَ {تَعَجَّل} و{تأَخَّر} مشعران بتعجل وتأخر في الإقامة بالمكان الذي يشعر به اسم الأيام المعدودات، فالمراد، من التعجل عدم اللبث وهو النفر عن منى ومن التأخر اللبث في منى إلى يوم نفر جميع الحجيج، فيجوز أن تكون {صيغة} تعجل و{تأخر} معناهما مطاوعة عجله وأخره فإن التفعل يأتي للمطاوعة كأنه عجل نفسه فتعجل وأخرها فتأخر فيكون الفعلان قاصرين لا حاجة إلى تقدير مفعول لهما ولكن المتعجل عنه والمتأخر إليه مفهومان من اسم الأيام المعدودات، أي تعجل النفر وتأخر النفر، ويجوز أن تكون صيغة التفعل في الفعلين لتكلف الفعل كأنه اضطر إلى العجلة أو إلى التأخر فيكون المفعول محذوفًا لظهوره أي فمن تعجل النفر ومن تأخره.
فقوله: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} ظاهر المعنى في نفي الإثم عنه، وإنما قوله: {ومن تأخر فلا إثم عليه} يشكل بأن نفي الإثم يقتضي توهم حصوله فيصير التأخر إلى اليوم الرابع رخصة مع أنه هو العزيمة، ودُفع هذا التوهم بما روي أن أهل الجاهلية كانوا على فريقين؛ فريق منهم يبيحون التعجيل، وفريق يبيحون التأخير إلى الرابع فوردت الآية للتوسعة في الأمرين، أو تجعل معنى نفي الإثم فيهما كناية عن التخيير بين الأمرين، والتأخير أفضل، ولا مانع في الكلام من التخيير بين أمرين وإن كان أحدهما أفضل كما خير المسافرُ بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل.
وعندي أن وجه ذكر {ومن تأخر فلا إثم عليه} أن الله لما أمر بالذكر في أيام منى وترك ما كانوا عليه في الجاهلية من الاشتغال فيها بالفضول كما تقدم، وقال بعد ذلك {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} خيف أن يتوهم أن التعجيل بالنفر أولى تباعدًا من مواقعة ما لا يحسن من الكلام، فدفع ذلك بقوله: {ومن تأخر فلا إثم عليه} فإذا نفي هذا التوهم علم السامع أنه قد ثبتت للمتأخر فضيلة الإقامة بتلك المنازل المباركة والمشاركة فيها بذكر الله تعالى، ولذلك عقبه بقوله: {لمن اتقى} أي لمن اتقى الله في تأخره فلم يرفث ولم يفسق في أيام منى، وإلاّ فالتأخر فيها لمن لم يتق إثم فهو متعلق بما تدل عليه لا من معنى النفي، أو هو خبر مبتدأ، أي ذلك وبدون هذا لا يظهر وجه لزيادة قوله: {لمن اتقى} وإن تكلفوا في تفسيره بما لا تميل النفس إلى تقريره. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: فإن قيل: هذه التكبيرات مضافة إلى الأيام المعدودات وهي أيام التشريق، فوجب أن لا تكون مشروعة يوم عرفة:

قلنا: فهذا يقتضي أن لا يكبر يوم النحر وهو باطل بالإجماع، وأيضًا لما كان الأغلب في هذه المدة أيام التشريق؛ صح أن يضاف التكبير إليها. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتقى} ففيه سؤالات:

.السؤال الأول: لم قال فمن تعجل ولم يقل فمن عجل؟

الجواب: قال صاحب (الكشاف): تعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل، يقال: تعجل في الأمر واستعجل، ومتعديين يقال: تعجل الذهاب واستعجله.

.السؤال الثاني: في قوله: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}:

قوله: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فيه إشكال، وذلك لأنه إذا كان قد استوفى كل ما يلزمه في تمام الحج، فما معنى قوله: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فإن هذا اللفظ إنما يقال في حق المقصر ولا يقال في حق من أتى بتمام العمل.
والجواب: من وجوه: أحدها: أنه تعالى لما أذن في التعجل على سبيل الرخصة احتمل أن يخطر ببال قوم أن من لم يجر على موجب هذه الرخصة فإنه يأثم، ألا ترى أن أبا حنيفة رضي الله عنه يقول: القصر عزيمة، والإتمام غير جائز، فلما كان هذا الاحتمال قائمًا، لا جرم أزال الله تعالى هذه الشبهة وبين أنه لا إثم في الأمرين، فإن شاء استعجل وجرى على موجب الرخصة، وإن شاء لم يستعجل ولم يجر على موجب الرخصة، ولا إثم عليه في الأمرين جميعًا وثانيها: قال بعض المفسرين: إن منهم من كان يتعجل، ومنهم من كان يتأخر، ثم كل واحد من الفريقين يعيب على الآخر فعله، كان المتأخر يرى أن التعجل مخالفة لسنة الحج، وكان المتعجل يرى أن التأخر مخالفة لسنة الحج، فبين الله تعالى أنه لا عيب في واحد من القسمين ولا إثم، فإن شاء تعجل وإن شاء لم يتعجل وثالثها: أن المعنى في إزالة الإثم عن المتأخر إنما هو لمن زاد على مقام الثلاث، فكأنه قيل: إن أيام منى التي ينبغي المقام بها هي ثلاث، فمن نقص عنها فتعجل في اليوم الثاني منها فلا إثم عليه، ومن زاد عليها فتأخر عن الثالث إلى الرابع فلم ينفر مع عامة الناس فلا شيء عليه ورابعها: أن هذا الكلام إنما ذكر مبالغة في بيان أن الحج سبب لزوال الذنوب وتكفير الآثام وهذا مثل أن الإنسان إذا تناول الترياق، فالطبيب يقول له: الآن إن تناولت السم فلا ضرر، وإن لم تتناول فلا ضرر، مقصوده من هذا بيان أن الترياق دواء كامل في دفع المضار، لا بيان أن تناول السم وعدم تناوله يجريان مجرى واحد، فكذا هاهنا المقصود من هذا الكلام بيان المبالغة في كون الحج مكفرًا لكل الذنوب، لا بيان أن التعجل وتركه سيان، ومما يدل على كونه الحج سببًا قويًا في تكفير الذنوب قوله عليه الصلاة والسلام: «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وخامسها: أن كثيرًا من العلماء قالوا: الجوار مكروه، لأنه إذا جاور الحرم والبيت سقط وقعه عن عينه، وإذا كان غائبًا إزداد شوقه إليه، وإذا كان كذلك احتمل أن يخطر ببال أحدنا على هذا المعنى أن من تعجل في يومين فحاله أفضل ممن لم يتعجل، وأيضًا من تعجل في يومين فقد انصرف إلى مكة لطواف الزيارة وترك المقام بمنى، ومن لم يتعجل فقد اختار المقام بمنى وترك الإستعجال في الطواف فلهذا السبب يبقى في الخاطر تردد في أن المتعجل أفضل أم المتأخر؟ فبين الله تعالى أنه لا إثم ولا حرج في واحد منهما وسادسها: قال الواحدي رحمه الله تعالى: إنما قال: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} لتكون اللفظة الأولى موافقة للثانية، كقوله: {وَجَزَاءَ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40] وقوله: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ونحن نعلم أن جزاء السيئة والعدوان ليس بسيئة ولا بعدوان، فإذا حمل على موافقة اللفظ ما لا يصح في المعنى، فلأن يحمل على موافقة اللفظ ما يصح في المعنى أولى، لأن المبرور المأجور يصح في المعنى نفي الإثم عنه.